محاكمات جرائم الحرب الدولية.. مآلات مختلفة ومطالب بضم متهمين آخرين

Former Ivory Coast President Laurent Gbagbo appears before the International Criminal Court in The Hague, Netherlands, January 15, 2019. Peter Dejong/Pool via REUTERS
غبابغو أثناء دخوله قاعة المحكمة لحضور الجلسة التي صدر فيها الحكم ببراءته من التهم المنسوبة إليه (رويترز)

شهدت السنوات الماضية محاكمة قادة من دول عدة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أو محاكم خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وانتهت تلك المحاكمات إما بالإدانة أو البراءة، وتعذر جلب البعض للمحاكم، في حين تتعدد المطالبات بمحاكمة أنظمة وأفراد بنفس التهم.

وكان لقارة أفريقيا النصيب الأكبر من المحاكمات الفعلية ومذكرات الاعتقال بحق رؤساء وقياديين كبار سابقين أو كانوا لا يزالون في مناصبهم حين تمت محاكمتهم أو صدرت ضدهم قرارات توقيف.

والثلاثاء قضت المحكمة الجنائية الدولية ببراءة رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو (73 عاما) من تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الاضطرابات التي وقعت بعد الانتخابات عامي 2010 و2011 وانتهت باعتقاله وتولي الحسن وتارا السلطة بدعم من القوات الفرنسية والأممية المتمركزة هناك.

والحكم الذي صدر بتبرئة غباغبو عده البعض نكسة مدوية للمحكمة الجنائية الدولية بما أنه ثالث حكم بالبراءة خلال أربع سنوات فقط.

‪كينياتا يتحدث إلى محاميه في مقر المحكمة الجنائية بلاهاي خلال جلسة عقدت عام 2014‬ (الأوروبية)
‪كينياتا يتحدث إلى محاميه في مقر المحكمة الجنائية بلاهاي خلال جلسة عقدت عام 2014‬ (الأوروبية)

اتهامات تسقط
اعتقلت القوات الفرنسية والأممية غباغبو أواخر 2011 وسلمته إلى المحكمة الجنائية التي تأسست عام 2002 لمحاكمة مجرمي الحرب.

وكان غباغبو المسجون منذ ذلك الحين في لاهاي أول رئيس دولة سابق يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقال القضاة في نص الحكم إن الادعاء أخفق في إثبات الاتهامات على الرئيس السابق وحليفه المقرب شارل بليه جوديه فأمروا بإخلاء سبيلهما، في حين قال الادعاء إنه يحتفظ بحق استئناف الحكم.

وفي عام 2014 أسقط الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية خمسة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا لعدم كفاية الأدلة، وتتعلق الاتهامات بأعمال عنف دامية متصلة بانتخابات خلال عامي 2007 و2008، وقد تم تعيينه في تلك الفترة نائبا لرئيس الوزراء.

وكان كينياتا قد انتخب رئيسا لأول مرة في 2013 قبل أن يعاد انتخابه في 2017 في اقتراع شابته اتهامات بالتزوير وأعمال عنف.

والعام الماضي أصدرت الدائرة الاستئنافية في المحكمة الجنائية حكما قضى بتبرئة جان بيير بيمبا نائب الرئيس السابق في الكونغو الديمقراطية من اتهامات باقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بواسطة المليشيا التي كان يتزعمها في جمهورية أفريقيا الوسطى بين عامي 2002 و2003.

‪حبري خلال الجلسة التي حكم فيها عليه بالسجن المؤبد في العاصمة السنغالية داكار عام 2016‬ (الأوروبية)
‪حبري خلال الجلسة التي حكم فيها عليه بالسجن المؤبد في العاصمة السنغالية داكار عام 2016‬ (الأوروبية)

إدانة وسجن
كان الأمر مختلفا بالنسبة لرئيس تشاد السابق حسين حبري الذي حوكم أمام محكمة خاصة أنشأها الاتحاد الأفريقي بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكمه بين عامي 1982 و1990 التي قتل خلالها أربعين ألف شخص، وفق معارضين ومنظمات حقوقية دولية.

وانعقدت المحكمة عام 2015 في السنغال، وفي العام التالي صدر حكم بالسجن المؤبد ضد حبري الذي رفض الاعتراف بشرعية المحكمة.

وقبل ذلك بسنوات عدة -وتحديدا في 2002- بدأت محاكمة رئيس يوغسلافيا السابقة سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة خاصة بجرائم الحرب في لاهاي للنظر في الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب اليوغسلافية في تسعينيات القرن الماضي.

ووجهت إلى ميلوسوفيتش عشرات التهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة، واستمرت المحاكمة حتى وفاته بسجنه في مارس/آذار 2006، وقد دفع بأنه غير مذنب.

وفي السنوات اللاحقة مثل أمام المحكمة نفسها العديد من المتهمين بجرائم حرب من القادة الصرب والكروات، وكان من بين هؤلاء القائد الصربي رادوفان كاراديتش الملقب بسفاح البوسنة الذي حكم عليه في 2016 بالسجن لمدة أربعين عاما، وفي أواخر 2017 حكمت المحكمة نفسها بسجن القائد العسكري لكروات البوسنة الجنرال سلوبودان برالياك بالسجن لمدة عشرين عاما، وعقب النطق بالحكم تجرع برالياك السم من زجاجة سحبها من جيبه ليموت خلال دقائق.

‪البشير يعتبر إجراء المحكمة الجنائية ضده مسيسا‬ (رويترز)
‪البشير يعتبر إجراء المحكمة الجنائية ضده مسيسا‬ (رويترز)

تحدي الجنائية
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2009 و2010 أمرين باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل الإبادة والقتل والتهجير القسري، وجرائم حرب أيضا الإبادة ومهاجمة المدنيين، وكانت المرة الأولى التي يتخذ فيها إجراء من هذا القبيل ضد رئيس لا يزال في منصبه.

وتتعلق التهم بالصراع الذي تفجر في إقليم دارفور (غربي السودان) والذي تقول الأمم المتحدة إنه أسفر عن مقتل ثلاثمئة ألف شخص، في حين تؤكد الخرطوم أن عدد ضحاياه لم يتجاوز عشرة آلاف قتيل.

لكن البشير تحدى منذ ذلك الوقت المحكمة التي لم تتمكن من تنفيذ أمر الاعتقال على الرغم من مطالبتها المتكررة باعتقال الرئيس السوداني خلال زيارته الدول الموقعة على اتفاقية روما المؤسسة للجنائية الدولية، وظل البشير والمسؤولون السودانيون يتهمون باستمرار المحكمة الجنائية الدولية بأنها مسيسة.

ولم تتمكن المحكمة أيضا من تنفيذ مذكرة اعتقال سيف الإسلام القذافي الصادرة بحقه في يونيو/حزيران 2011، أي بعد أشهر قليلة من الثورة على نظام والده الراحل معمر القذافي بتهم تشمل جرائم حرب على الرغم من دعواتها المتكررة للسلطات الليبية والمجتمع الدولي.

المدعية العامة في المحكمة الجنائية فاتو بنسودا أكدت العام الماضي أن سيف الإسلام طعن في مطالبة المحكمة بتسليمه لها، وتم تقديم الطعن عقب إطلاق كتيبة ليبية سراح نجل القذافي بعد احتجازه ست سنوات في ظروف غامضة بمدينة الزنتان (جنوب غربي طرابلس).

وإلى جانب سيف هناك الضابط محمود الورفلي الموالي للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، والذي أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال أولى بحقه في 2017 بعد نشر تسجيلات له وهو يعدم عشرات الأشخاص في بنغازي شرقي ليبيا، وعلى الرغم من مرور وقت طويل على المذكرة الأولى لا يزال حفتر يمتنع عن تسليمه للمحكمة.

‪سيف الإسلام القذافي خلال جلسة محاكمة بمدينة الزنتان في 2014‬ (رويترز)
‪سيف الإسلام القذافي خلال جلسة محاكمة بمدينة الزنتان في 2014‬ (رويترز)

سوريا وميانمار
في ظل استخدام روسيا حق النقض المتكرر في مجلس الأمن الدولي فشلت كل المحاولات لإحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية من أجل محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب التي وقعت على أراضيها منذ 2011.

وخلال السنوات الماضية دعا ساسة غربيون ومعارضون سوريون ومنظمات حقوقية دولية إلى محاكمة الرئيس بشار الأسد باعتباره المسؤول الأول عن جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بسوريا، لكن التعقيدات السياسية والقانونية المحيطة بالأزمة السورية تضعف فيما يبدو إمكانية حصول ذلك.

وتصاعدت نفس الأصوات العام الماضي من أجل محاكمة قادة ميانمار بنفس التهم في علاقة بحملة القمع التي استهدفت أقلية الروهينغا المسلمة وأدت إلى فرار أكثر من نصف مليون شخص إلى بنغلاديش المجاورة.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية